jeudi 12 avril 2012

يطالبون بتحسين وضعيتهم المالية والمهنية، مأزق المتصرفين المقتصدين بالمغرب :

تعتبر وظيفة المتصرف بصفة عامة والمتصرف المقتصد بصفة خاصة من بين الوظائف المهمة والأساسية بالإدارة العمومية المغربية. فدور هذه الوظيفة يتمثل بالأساس في حسن تدبير الموارد المالية، حسن إدارة الصفقات العمومية وكذا الحرص على تنفيذ المشاريع الصغرى والكبرى وفقا للبرامج المسطرة. فماهي الوضعية الحقيقية لهذه الفئة من الموظفين ؟ وماهي الآفاق المستقبلية لهذه الوظيفة بالمغرب؟
طبقا للقانون المغربي للوظيفة العمومية، يشترط للولوج لهذه الوظيفة توفر المترشح على شهادة الإجازة أو ما يعادلها. ووفقا لهذا القانون كذلك، يصنف المتصرف المقتصد في سلم الأجور 10 ويمنح راتبا شهريا لا يزيد عن 5000 درهما (أي الحد الأدنى المعيشي). لكن وبالمقارنة مع فئات أخرى من الموظفين تنتمي إلى قطاعات عمومية وشبه عمومية، فإن هذا الراتب يعد جد هزيل، فهو لا يرقى حتى إلى ما يتقاضاه تقني مبتدئ بالمكتب الشريف للفوسفاط، حاصل فقط على شهادة الباكالوريا زائد عامين من الدراسة، كما يساوي كذلك ما أصبح يحصل عليه حاليا رجل شرطة ذو مستوى الباكالوريا على الأقل. وتبقى الحوافز المالية السنوية جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة تماما، خاصة ببعض القطاعات العمومية الحساسة، كقطاع الصحة والتي تستلزم تشجيع الموظفين على بدل الجهد والمثابرة في مجال تكثر فيه الآفات والمخاطر.
ومما يزيد الطين بلة أن الإدارة المغربية قد رفعت في وجه المتصرفين المقتصدين، منذ سنة 2005، مدة اجتياز امتحان الكفاءة المهنية من أربع إلى ستة سنوات للمرور إلى سلم الأجور 11، ورغم ذلك فإن الحظوظ في اجتياز السلم 10 تبقى ضئيلة ورهينة بالسياسة المالية للدولة ومدى مصداقية ونزاهة الامتحانات. في حين مازال نظام الأربع سنوات ساري المفعول لدى فئات أخرى من الموظفين، كالمهندسين مثلا، والذين يمثلون في الحقيقة إطارا إداريا موحدا مع المتصرفين. وفي هذا الصدد، يجب الإشارة هنا إلى أنه وقبل أن تتم تسوية الوضعية المادية للمهندسين سنة 2000، كانت وضعية هذه الفئة وفئة المتصرفين متساوية من حيث نظام التعويضات المادية.
إن هذه المقارنة البسيطة تظهر لنا مدى هزالة ما يتقاضاه المتصرفون المقتصدون من راتب شهري بالمغرب. فرغم ما يتوفرون عليه من تكوين أكاديمي عال، تطلب منهم إستثمارا ماليا وبشريا مهمين وتضحيات جسيمة من أجل استكمال الدراسة والظفر بشهادة جامعية تخول لهم مردودا يناسب مدى استثمارهم وكذا ما يقومون به من عمل يتطلب كفايات عالية، تبقى هذه الشريحة من الموظفين تعاني من عدم إقرار وتطبيق مبدأ تساوي الحظوظ في دولة ترفع شعار الحق والقانون كمرجعية وسلوك.
إن الوضعية المالية المقلقة للمتصرفين المقتصدين بالمغرب تطرح عدة تساؤلات هامة تتعلق بمدى رضا هذه الفئة من الموظفين بوضعيتها رغم ما تتمتع به من مستويين علمي ودراسي عاليين، مما يطرح لنا وبشدة مدى نزاهة وأمانة بعض الأطر من المتصرفين. إن هذه الوضعية المالية الحرجة أدت في العديد من الحالات إلى بحث عدد من المتصرفين عن منافذ مالية أخرى وذلك من خلال مزاولة مهن حرة أو استغلال مناصب المسؤولية، عبر استغلال الثغرات القانونية، المالية والتنظيمية، لأجل سد حاجيات ومتطلبات الحياة المتزايدة في الارتفاع، وكذلك لأن هذه الشريحة من الموظفين تعيش في محيط مهني واجتماعي يستلزمان الظهور بمظهر لائق ومحترم حسب نظرة البعض. بل قد يؤدي فتح هذا المجال الغير قانوني إلى الاغتناء السريع كما يقع فعلا في بعض الحالات، وحتى وإن لم يكن هذا الإغتناء ظاهرا، كإقتناء العقارات أو حيازة الممتلكات، فإن ما يصرفه بعض المتصرفين على دراسة الأولاد والترف في المعيشة يبقى غير عادي، بحيث يفوق ما يتقاضاه هذا المتصرف بعدة أضعاف.
أما على المستوى المهني، ورغم ما توظفه الدولة المغربية سنويا من كم مهم من المتصرفين المقتصدين، تبقى الإدارة المغربية غير قادرة على حسن تأطير وإدماج هذه الفئة من الموظفين. وحسب قطاعات معينة، فإن هذه الفئة لا تنعم بالرعاية والإهتمام المطلوبين، فبقطاع الصحة مثلا، نجد الإهتمام موجها بالخصوص إلى الأطباء والممرضين، أما قطاع العدل فالأولوية تعطى للقضاة، وهكذا دواليك. بل قد نجد في الكثير من الأحيان إقصاء وتهميش العديد من المتصرفين، من جهة، من طرف زملائهم داخل نفس الأقسام (خوك فالحرفة عدوك)، ومن جهة أخرى، من طرف رؤساءهم وذلك لنية في نفس يعقوب.
إنه وفي ظل غياب سياسة حقيقية لتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية المغربية والمتمثلة أساسا في غياب عدد من الإجراءات العملية، كغياب بيانات ومراجع تحدد المهام والمسؤوليات، وكذا غياب الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأعمال، فمسألة المعادلة أو المطابقة بين الكفايات الفردية للشخص والعمل المؤدى تبقى إلى حد بعيد غير محققة بالنسبة لغالبية المتصرفين. فنجد مثلا، أن معظم المتصرفين يزاولون مهاما لا تتلاءم وتكوينهم الأكاديمي، مما يقلل من أهمية ودور هذا الفرد كإطار محترم داخل الإدارة المغربية.
ولتكريس هذه الغاية، فإن الإدارة المغربية لا تبدل أي جهد في تحديد معايير عقلانية وصارمة في الانتقاء، تتلائم والتطورات الحديثة في علوم التسيير. مما يؤدي إلى إقحام متصرفين دون المستوى المطلوب وبالتالي تراجع قيمة وصورة المتصرف، على غرار فئات أخرى من الموظفين داخل المجتمع والمحيط المهني. 
بات واضحا أن الدولة المغربية بدأت تنهج، منذ السنوات الأخيرة، سياسة تدفع الشباب إلى الإنخراط في مسارات دراسة ذات المدى القصير، وذلك لأنها أصبحت غير قادرة على مسايرة النفقات المتزايدة للجامعات والمعاهد العليا، نظرا لتطور العلوم والتكنولوجيا. وهذه السياسة نستشفها كذلك من خلال إحداث فوارق طفيفة في الأجور بين الموظفين، خاصة بين سلم الأجور 9 والسلم 10. حيث يقدر هذا الفارق المالي بحوالي 1000 درهم فقط، في حين نجد أن الفارق في المستوى الدراسي والمهني يبقى جد شاسع، مما يحفز الشباب على متابعة الأسلاك الدراسية القصيرة والمفضية مباشرة إلى سوق العمل.
منذ عدة سنوات وفئة المتصرفين تناضل من أجل الخروج من هذه الضائقة المالية والتنظيمية، وذلك بسعيها الجاد، من خلال جمعيات ونقابات المتصرفين، لإقتراح مشاريع حلول موضوعية ومرضية على الدولة المغربية. لكن لا تأبى هذه الأخيرة إلا أن تضرب عرض الحائط كل هذه الجهود وذلك بالتحجج بعدم كفاية الميزانية، زعما منها أن عدد المتصرفين يعتبر مرتفعا، حيث أنها تدرج فئات من الموظفين تعتبرهم متصرفين بالرغم من أنهم لا يتوفرون على الشواهد التي تعطيهم الحق للولوج لنظام المتصرفين، بل تسعى كي تكرس هذه الأزمة من خلال التوظيف المتزايد للمتصرفين، وذلك لتضخيم عددهم واستغلال طاقاتهم وكفياتهم الهائلة مقابل رواتب هزيلة. 
يجب على الحكومة المغربية أن تنظر مليا في الوضعية المالية والمهنية للمتصرفين بصفة عامة والمتصرفين المقتصدين بصفة خاصة وأن تتخذ مجموعة من التدابير الإستعجالية من أجل هيكلة وتقنين حقل ومجال عمل هذه الفئات من الموظفين. وبصفة عملية، يجب إقرار نظام أساسي خاص بالمتصرفين لا يقل أهمية عن مثيله المخصص للمهندسين. مبتغا لن يتم يتحقيقه إلا باتحاد لصفوص المتصرفين على المستوى الوطني، وذلك بصفة مستقلة، بعيدا عن كل المزايدات الحزبية والنقابية.
ذ. رشيد الفتاح
خبير في علوم التسييـر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire