jeudi 12 avril 2012

كفاءات المتصرف
 بين سياسة التهميش وبرامج إعادة التموضع المهني


يعيش المتصرفون منذ مدة حالة من الذهول لما أصبحت عليه وضعيتهم المهنية من تدن و تحقير مهدت له الدولة منذ عقود و أنزلته تدريجيا ثم كرسته الحكومات المتوالية  عبر قرارات  و قوانين تحمل في طياتها مقاربة تضرب  هؤلاء الأطر في صميم جدوى تواجدهم  ودورهم المهني في المنظومة الإدارية و تعرض كفاءاتهم  إلى التبخيس  التهميش  الممنهج. وضعية تفرض أكثر من سؤال: لماذا؟ كيف؟ ما الهدف؟ من المسئول؟ و ما العمل؟

أزمة المتصرف في صميم فشل مقاربات السياسات الحكومية

فشل النموذج البيروقراطي
في سياستها التدميرية لمهن التصرف استندت الدولة في تبريراتها المعلنة و غير المعلنة على تحميل المتصرف  مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة في فشل النموذج البيروقراطي في  إدارة الدولة وتدبير السياسات والبرامج العمومية الأفقية والعمودية .وهكذا حولت هذه الدولة هياكلها التنظيمية من النموذج البيروقراطي إلى النموذج التقنوقراطي في تصميم وتخطيط السياسات العمومية.  هذا النموذج يعتبر أن المشاكل العمومية ليست مشاكل مجتمعية بعمق  و بعد سياسيين بل مشاكل تقنية وتتطلب حلول تقنية ومقياسية. الشيئ إلي أدى من جهة إلى إعادة الهيكلة التنظيمية والإدارية للقطاعات والمرافق العمومية بعمق تقني في تناقض تام مع البعد الاستراتيجي للدولة في تدبير الشأن العام ومن جهة أخرى إعادة هيكلة مشهد وتراتبية المهن في إدارات الدولة وهيمنة غير مسبوقة للمهن التقنية في صناعة القرار العمومي في تناقض تام مع مبدا التعدد و التنوع الضروري للمهن والكفاءات العاملة في الإدارات  العمومية. هذه المقاربة بدأت معها  عملية التدمير المدبر لكفاءات المتصرف العمومي على المستوى التكويني والمهني والوظيفي، بل وحتى النفسي ثم تدمير وضعه الاعتباري الاجتماعي عبر تبخيس تكوينه و تقزيم دوره.

هل نجح النموذج التقنوقراطي؟
كشفت التحولات التي يشهدها العالم من حولنا عن أزمة عميقة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي منذ بداية العشرية الأولى للقرن الحالي والمتجسدة في فشل الدولة وانسحابها السياسي في تصميم وإدارة التوازنات الضرورية للسياسات العمومية وإخضاعها لمقاربات تقنومالية وتحويل الحاجيات والمشاكل العمومية للمجتمع إلى سوق مفتوحة للسلطة الأحادية لمصالح الرأسمال . كل هذا وغيره كشف عن الفشل المتضخم للنموذج التقنوقراطي والذي يمكن رصد نتائجه المباشرة في انهيار نموذج الدولة والانتشار الوبائي للازمة المالية ونتائجها الاجتماعية الخطيرة في الشرق والغرب وصولا إلى الربيع العربي والحراك الشعبي بالمغرب الذي يستهدف محاربة الاستبداد والفساد والاستبعاد والاستفراد عبر إعادة هيكلة الدولة ومرافقها وسياساتها على قواعد  الديمقراطية و المحاسبة والعدالة والحاكمة.

إن الفشل المزدوج للنموذج البيروقراطي والنموذج التقنوقراطي في إدارة الدولة وتصميم وتدبير السياسات والبرامج مرده إلى غياب النموذج الديمقراطي بالنسبة للدولة غير الديمقراطية ا و محدودية تأثيره كنموذج في إحداث التوازن أو تغيير واقع العلاقة المختلة بين الاقتصادي والاجتماعي في الدول الديمقراطية بشكل تكون السياسات والبرامج العمومية قائمة على سياسية إرادية مؤثرة ايجابيا في حياة المجتمع والمواطنين ..... فالأزمة الديمقراطية أو محدودية تأثيرها تكشف عن أزمة السياسة وأزمتها تؤدي إلى أزمة السياسات العمومية وفشلها في إحداث التغيير المطلوب .... هي نتائج مرقمة من بين أسبابها الأصلية ترتبط بعناصر التحكم المفرط للرؤية البيروقراطية او التقنوقراطية ومن بين عناصر التجاوز وضمان وفعالية ونجاعة السياسات العمومية تكمن في دمقرطة تنوع المهن في تصميمها وتنفيذها وتقييمها ومراقبتها بشكل تضمن عملية الإشراك المنظم للهيئات المهنية العاملة في الإدارة الدولة باعتبارها عملية تقوم على تعدد الرؤى والتخصصات والمراجع العلمية والكفاءات المتعددة.

قضية المتصرف قضية حكامة مهنية  
ضمن هذا السياق تعتبرالحكامة المبنية على الديمقراطية كممارسة و كمنهجية  لتصميم السياسات العمومية ولربط المسؤولية بالمحاسبة   والتوازن  بين المهن، آلية مرجعية ضد الاستبداد المهني والفساد الوظيفي واستبعاد الكفاءات والاستفراد في صياغة القرارات.

التأسيس لحكامة مهنية بالإدارات العمومية يعني بناء تصور جديد يؤسس لعلاقة إيجابية مع المرجعيات العلمية المتعددة للمهن بالمنظومة العمومية باعتبارها أطرافا متساوية من حيث الوظائف والكفاءات والمهام والمسؤولية في تصميم وتخطيط السياسات و صنع القرار العمومي بطريقة يتم من خلالها تجاوز المنهجية التراتبية بين أطر الدولة  و باعتبار السياسات العمومية عمل جماعي يشارك في خلق وإبداع شروط النظام الاجتماعي والسياسي في اتجاه خدمة المجتمع وتقديم حلول للمشاكل والصراعات والمصالح.

 و يعني أيضا  إعادة صياغة عادلة ومنصفة بين المهن المكونة لأطر الدولة بعيدا عن  التمييز المدبر والخاضع في مجمله لنظرية اللوبيات واسترضاء فئة من الفئات المهنية المكون لأطر الدولة و ذلك من خلال إعادة هيكلة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وتصميم دليل مرجعي خاص للوظائف والكفاءات الخاص بمجموع المهن المشكلة لأطر الدولة وصياغة نظام أساسي مرجعي موحد لأطر الدولة يحدد المهام الاستراتيجية ونظام ولوج الإدارة العمومية وتدبير مسار الحياة المهنية ونظامها الاجري .....الخ يتم تنزيله قانونيا في أنظمة أساسية مهنية وترتبط بتطوير مهنية المهن.


بناء كفاءة المتصرف في عدة مستويات برامجية
خلال العقدين  الماضيين تحول مفهوم الكفاءة من مفهوم نظري إلى مفهوم عملي     بانتقاله من الإطار القانوني والمحدد بمساطر ومراسيم وإجراءات إدارية   إلى مجال تدبير الموارد البشرية والتدبير التوقعي ارتباطا بمفهوم التكوين الأساسي والمستمر واكتساب التجربة المهنية وتدبيرها بالعلاقة مع الاستراتيجيات التنظيمية والمهام والصلاحيات والوظائف الخاصة بالمؤسسات والإدارات.
و ان كان المتصرف يخضع لنفس المنهجيات المتعارف عليها لتحديد و بناء الكفاءة  إلا أن خصوصية بنيته المهنية المتنوعة و المتشعبة تفرض مقاربة يمكن تصورها كما يلي:
-         بناء نص متكامل حول كفاءات المتصرف العمومي يتطلب بالضرورة تشييد مقاربة من عدة أركان تشمل تحديد المفهوم وعلاقته المتشعبة بالشخصية والمؤهلات والمهام المهنية ومواقف المتصرف وأسلوبه الخاص في صياغة الاقتراح في إطار تصميم وتخطيط وتنفيذ ومتابعة ومراقبة السياسات العمومية والبرامج القطاعية.

-      تحديد كفاءات المتصرف يرتبط أيضاً بالقدرة الممنهجة على تحديد العائلات المهنية المكونة للهيئة والعائلات  الوظيفية  ثم العمل على صياغة لائحة محددة للمؤهلات والكفاءات ومواقع العمل ومنهجية لتقييم وتقويم وإعادة توجيه كفاءات المتصرف واتخاذ القرارات المناسبة استنادا إلى مؤشرات قابلة للقياس الموضوعي

-      التأكيد على  الأهمية الاستراتيجية للصورة التي ينتجها المتصرف عن نفسه كشخص وكمهنة وكهيئة وكيفية تموضعه وتأكيد مهنيته والتقدير المستمر والإحساس بالانتماء والتعبير عنه وهي عناصر أساسية تشكل ما يمكن أن نسميه بالرأسمال السلوكي للمتصرف.

-      تطوير كفاءات المتصرف ارتباطا بثلاث محددات :
  •  التكوين  الأساسي بالجامعات و المعاهد العليا المتخصصة
  • التكوين المستمر الموضوعاتي والمهني
  • تقدير ممنهج للتجربة والمهارات المكتسبة
 وبالنظر إلى هذه المحددات  يمكن الحديث عن تعدد العائلات المهنية  لهيئة المتصرفين والتي تشمل العديد من التخصصات والكفاءات العلمية والوظيفية منها )متصرف مالي، متصرف قانوني، متصرف  التكوين، متصرف الموارد البشرية، متصرف الاعلام، متصرف التواصل ...الخ .

-       إعادة النظر في العلاقة بين كفاءات المتصرف ونماذج التنظيم والهيكلة الإدارية بالمرافق والقطاعات والبرامج العمومية من خلال إمكانية الربط بين كفاءات المتصرف العمومي والاستراتيجية التنظيمية وكيفية تدبير المسار والحياة المهنية للمتصرف وأسلوب توزيع المهام والتخصصات والمسؤوليات وكيفية تقديم تصوراته واقتراحاته لتطوير النظام الأساسي للهيئة على أسس تطوير المهنة والمهنية.
-       تحميل المتصرف نفسه المسؤولية المباشرة في تقدير كفاءاته.  ويتعلق الأمر بقدرته على الإيمان والاعتقاد بأهميته الاستراتيجية وضرورة بروزه  كقوة مهنية في تصميم وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية والقطاعية كقوة تنظيمية واقتراحية وانتاجية لعلوم المتصرف عبر إحداث نوع من التكامل بين الذكاء الجماعي والذكاء المتنوع لهيئة المتصرفين وحدة تنظيمية تقوم على مفهوم المشترك الاستراتيجي الذي يلتقي موضوعيا وذاتيا مع التنوع التخصصي والمهني والتجارب القطاعية لمكونات الهيئة.


إن إعادة التموضع الاستراتيجي لهيئة المتصرفين كمهنة وكوظائف وكفاءات في المشهد العام والمتحول للمهن المكونة لفضاءات الإدارة والمؤسسات العمومية يتطلب العديد من الإجراءات  و الخطوات الجريئة لوضع الدولة أمام مسؤولياتها ووضع المتصرف نفسه في حالة وعي تام بالتحديات و الرهانات و التهديدات التي تحيط به. هذه الخطوات يمكن اقتراح منها ما يلي:
  •      تنويع التنظيمات الجمعوية القطاعية منها و المهنية؛
  •       إحداث المراصد المهنية الخاصة بالهيئة ومراكز متخصصة في علوم المتصرف العمومي؛
  •       العمل على إحياء اليوم الوطني للمتصرف العمومي؛
  •        وضع و تفعيل برامج تكوينية وتخصصية لاكتساب المهارات العلمية والوظيفية؛
  •       وضع برامج للتواصل الواقعي والافتراضي والعلاقات العامة وكسب التأييد والدعم والتشبيك مع كافة الفعاليات المنظمة في المجتمع المدني والنقابي والسياسي وتطوير علاقات التعاون مع الجامعات والمؤسسات والمعاهد المتخصصة في تكوين المتصرفين؛
  •       العمل على إصدار مجلة علمية وفكرية تسمى " جلة المتصرف العمومي".  
 وغيرها من البرامج ضمن رؤية استراتيجية استشرافية تحقق التكامل والالتقاء الكامل لمكونات الهيئة في إطار الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة.

عن المكتب التنفيذي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire